الثورة لم تكن هي الحل!
بعد عامين فقط من الثورة، تسمع المصريين يلعنون في اليوم الذي خرجت فيه الأمور عمّا جبلوا عليه لسنوات طويلة
أميرة الشربيني
بعد عامين فقط من الثورة، تسمع المصريين يلعنون في اليوم الذي خرجت فيه الأمور عمّا جبلوا عليه لسنوات طويلة؛ فاليوم مصري يُقتل بيد مصري آخر، والفتنة تثير الجدال بين كل أفراد الشعب.
تسخر صديقة لي قائلة: “في عهد مبارك لم يهتم أحدنا أن يتكلّم في السياسة، ثمّ أصبحنا بعد الثورة كلنا محللين سياسيين”.
لم يتوقّف الأمر فقط على تطوّع كل منّا بالتحليل السياسي لكل موقف من خلال أي منبر يملكه على صفحات التواصل الاجتماعي، ولكن امتدّ إلى هوس كل صاحب وجهة نظر إلى السعي ناحية التقرير المُطلق لما يقول، وتلك النقطة تحديدا قد تستلزم مقالا بأكمله؛ لأنها سبب أزمات متراكمة منذ قيام ثورة 25 يناير، فلا يوجد أي نوع من أنواع المرونة عند معظم البارزين على السطح السياسي، كل طرف يذهب لرأيه هو مطلقا، يريد أن ينزّه نفسه عن أي خطأ، يجب أن يحصل على الموافقة المُطلقة أنه مصيب تماما وإلا حزت عداوته.
إن ترديدنا لأن الله هو الكامل الأوحد وأنه لا مطلق سوى الله والموت؛ حكم ننساها لحظة الجدل، وفي نفس الوقت معاناتنا من ترسخ نظرية المؤامرة داخلنا مذهلا، فكل فريق له تصوره عمّا يحدث، وأي خبر أو صورة تنافي هذا التصور هي مُلفقة وكاذبة زوّرها الطرف الآخر كي يخدع هؤلاء التائهين وسط تيه الفتنة.
البارزون على المشهد السياسي الذين اختلفوا يوم التعديلات السياسية ثم في أثناء الانتخابات الرئاسية، وهو ما أدى إلى تفتيت الأصوات ثم الاختلاف النهائي تجاه قرار عزل الرئيس؛ كلهم بلا استثناء كانوا عاملا كبيرا في لعن المواطن البسيط العادي للثورة.
فلا هو رأى منها خيرا ولا استقرارا بعد.. ويسألني سائل: “ما الذي جنته مصر من الحرية؟”.
فأجيب بثقة أن عهد الحرية لم يأتِ بعدُ، قد تعرف أن الحرية قد قاربت الحلول عندما تجد القانون هو السائد، وأن تطبيقه عام لا استثناء يشوبه.
أُشير إلى هذا لأن هناك ملحوظة بدت لي صارخة أكثر عندما سافرت للخارج ثم عدت، ألا وهي كثرة استخدامنا للتبريرات في حواراتنا وتحليلاتنا؛ خصوصا في الردّ عن نقائصنا أو نقائص من ننتمي لفكرهم.
حتى الإخوان ورئيس مصر المعزول محمد مرسي كان حديثهم عن عام الرئاسة مليئا بتقديم مبررات وأعذار وتصريحات واضحة بوجود نظرية المؤامرة، وهذا في رأيي أحد أسباب فشلهم.
إن طريقة التفكير التي تسمح لك بقبول العذر لتبرير الخطأ هي نفسها التي تزيد احتمالية وقوعك بالخطأ؛ فلو أن فكرك سليما يتجنّب الخطأ ولا يتهاون في الأعذار بسهولة، ستجد نفسك لا إراديا تبحث دوما عن الحل الأمثل المعضلة بدلا من قتل الأسباب بحثا.
واللافت للنظر اليوم أن كل فريق يستخدم القانون المطلق على هواه ويعطّله بالأعذار على هواه أيضا، لذا من المستحيل أن يصل المختلفون إلى اتفاق إن كنا اليوم نعيش الفتنة على أشدّها، فلا يجب علينا أن نلوم الثورة، فانتفاضة الشعب ما هي إلا غضب واعتراض على وضع لم يعد يُحتمل.
الثورة هي إرادة لحظية لكن الحرية هي قناعة داخلية دائمة ينتج عنها حيادية وتطبيق حقيقي للقانون، كيف لنا أن نتذمّر من عدم تحقق هذا إن كنّا في حواراتنا الطبيعية ومنظورنا للأمور نكيل بمكيالين؟!
واليوم بعد 30 يونيو التي يعتبرها البعض ثورة أخرى.. هل هناك توجّه حقيقي للإصلاح الداخلي على مستوى الأفراد، أم إن غواية الفتنة لم تزل أكبر من كل شيء، ولم يزل كل فرد يستميت لإثبات وجهة نظره دون البحث عن حلول وسطية تُصلح الوضع؟
في أثناء هذا تجد مَن يلعن الثورة ويتحسّر على وقت مبارك، ومَن يُقسم أن مصر قد خربت بلا عودة.
إن كنت لا ترى في أي من الثورتين حلا؛ فإن هناك ثورة أهم يجب أن نقوم بها جميعا؛ ألا وهي ثورتنا على إدمان الأعذار والتبريرات، يجب علينا أن نبدأ في تركيز اهتمامنا على ما هو فعّال وثابت ألا وهو الدستور.
القانون هو الحل دائما، قانون واحد للجميع، قانون من أجل الإصلاح، كما أننا لو جنبنا الهوى في الحكم على الأمور، وفهمنا أن صلاح البلاد لا يعود إلى توجّهات الحاكم السياسية والدينية، بل يعود لكون هذا الحاكم عادلا ويُطبق القوانين بصورة مطلقة، سيُصلح الحال فعلا.
لم أزل أرى أن الحل يبدأ من بين جموع الشعب؛ فالدولة ما هي إلا مواطنون، إن فسدوا ولّوا مَن يُفسد، وإن صلحوا صعب على فاسد البقاء في الحكم رغم إرادتهم.
الثورة الحقيقية هي ثورة الشعب على نفسه، لن تُحلّ الأمور بين عشية وضحاها، لكنّ بقاءها معلّقة طويلا -لأننا لم نزل نكيل بمكيالين- سيُكلّفنا الكثير.