Dp ومَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ؟
الرئيسية > دين ودنيا > في حضرة المحبوب > ومَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ؟

ومَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ؟

مع استقواء النفس يضعف القلب، ويظلم العقل، وتضمر الروح

لكل قوة من قوى الإنسان مطلب تطلبه.
ومقصد تتعلق به.
وتسعى إليه.
وتحيا من أجله.
فللعقل مقصد يسعى إليه.
وللروح مقصد.
وللنفس مقصد كذلك.
وللقلب معيار في تمييز المقاصد، واختيار أشرفها وأعلاها.
 ***

ثم إن تلك المقاصد إما أن تتفق.
فيكون مقصد الروح هو بعينه مقصد العقل والنفس.
فينشأ الاتزان والاستقرار.
ويعرف الإنسان ما يريد
بوضوح وجلاء وقوة.
فيمضي إلى مراده على صراط مستقيم.
وإما أن تختلف عليه تلك المقاصد.
فيكون مقصد الروح في اتجاه.
ويكون مقصد العقل في اتجاه.
ويكون مقصد النفس في اتجاه آخر.
فيتشتت الإنسان.
ويقع في متاهة وحيرة عظيمة.
ويمتلئ باطنه بصراع ونزاع بين تلك القوى.
حيث تجره كل قوة منها إلى اتجاهها ومقصودها.
بكل ما تملك.
***

وللنفس تعلُّق باللذات.
وانهماك فيها.
وتهالك على تحصيلها وجمعها.
وأُنْسٌ بالسعي في أسبابها وإجراءاتها.
وهي في تعلقها باللذات على أحوال.
فإما تكون على حد الاعتدال.
وإما أن تكون شديدة التعلق مع الطمع والشره.
وإما أن تكون في حال ضمور وتقلل وزهادة.
واللذات ثلاثة أنواع:
حسية، ووهمية، وعقلية.
فاللذة الحسية مثل المأكل والمشرب والمركب.
واللذة الوهمية الخيالية مثل الوجاهة والاستعلاء والشهرة.
واللذات العقلية مثل العلوم والمعارف.
***

وهناك نوع من النفوس ينصرف إلى اللذات الحسية.
باعتدال أو بطمع أو بتقلل.
وهناك نوع ينصرف إلى اللذات الخيالية مع الاحتمالات الثلاثة السابقة.
وهناك نوع يعرف شرف العلوم والمعارف، فيقبل عليها.
مع الأحوال الثلاثة السابقة: الاعتدال أو الطمع أو التقلل.
***

وقد يضعف القلب.
ويظلم العقل.
وتضمر الروح.
مع استقواء النفس
وشدة تعلقها باللذات الحسية بقوة وشره وطمع.
فتوجد بذلك النفس الأمارة بالسوء.
وقد يقوى القلب، وتقوى الروح، وتقوى النفس.
ولكن تختلف المقاصد.
فيتعلق القلب بالحق جل شأنه.
بنفس قوة تعلق النفس بالأهواء والأطماع واللذات.
والوجاهة والشهرة والسيطرة.
مع قوة تعلق العقل بالتدابير والإجراءات والحسابات والمآلات والعواقب.
فتوجد بذلك حالة أخرى تسمى بالنفس اللوامة.
وقد يقوى العقل والقلب والروح.
مع اتفاق مقاصدها جميعا.
ومع طواعية النفس وانسجامها وإقبالها على تلك المقاصد.
مع رشحات من التوفيق والنورانية.
والسعي إلى الله تعالى.
فتوجد بذلك حالة فريدة راقية.
تسمى بالنفس المطمئنة.
وبهذا تنشأ الأنواع الثلاثة للنفس.
***

وأشرف أحوال الإنسان أن يمر بأطوار من التربية والتهذيب.
على يد شخص خبير بالنفوس وكيفية بنائها.
صاحب نور وبصيرة.
فيصوغ العقل المستنير.
ويمد القلب بأسباب السلامة من العلل والأهواء.
ويقوي الروح في تعلُّقها بالملأ الأعلى.
ثم يقبل على النفس بمنهج تربوي حكيم.
شديد اليقظة والترقب.
ينكب على تنزيه النفس وتطهيرها من أوحال الأهواء والأطماع.
ويردها إلى القناعة في شئون المطعم والمشرب وغيرهما.
ويقاوم انزلاق النفوس إلى الخسة والوضاعة.
ويصبر على ذلك كله.
حتى تستقيم النفس.
وتترفع عن الدناءة والاحتيال والعدوان والتحامل.
ثم يرجع ذلك المربي الحكيم إلى جمع قوى الإنسان على مقصد واحد.
يلتقي عنده القلب والعقل والروح والنفس.
فإذا اكتسبت مكونات الإنسان القوة والشموخ والصلابة.
وسلمت من الوهن والرخاوة.
وإذا تبصرت بالمقاصد والتقت كلها على واحد منها.
وإذا تربت على السلامة من عيوب النفوس، وأمراض القلوب، ومزالق العقول.
فقد نشأ عندنا الإنسان الكامل.
والنموذج الرباني الفاضل.
الذي صنعه النبيون والمرسلون.
وتعب في تشييده الصادقون.
***

والنفس في كل ذلك مكون شديد الخطر.
سريع التفلت.
شديد الأنس بالمحسوسات.
دائم الانصراف إلى اللذات الحسية الحاضرة.
يتمرد على القيود والآداب.
لا سيما الآداب الباطنية التي تصنع جذور الأخلاق.
وتلك النفس أيضا واهنة وعاجزة أمام المعاني العالية.
وإذا سيقت وأكرهت على التعلق بالآخرة والفضيلة والحق والعدل فإنها تتعلق تعلقا واهنا.
ضعيفا.
مهزوزا.
ويساعدها على ذلك شدة الحضور والإحاطة للأمور الحسية.
من الناس والأسواق والمبيعات، والمآكل والمشارب.
والزحام والمؤامرات.
والسيارات، والضجيج.
والإعلانات، والفضائيات، والهواتف.
وسيل الأخبار والأحداث المتلاحقة.
ولا يأخذ من كل معطيات الحضارة إلا جانبها السلبي.
فإذا بالنفس غارقة في محيط هائل من الأمور الحسية السريعة المتلاحقة المتشابكة المتداخلة.
وإذا به يلهث وراء استيعاب كل ذلك ومحاولة هضمه وفهمه.
مع ضعف ارتباطه بالله تعالى.
وقلة تذكيره بالآخرة.
وعدم شعوره بحضور الملائكة الكرام.
وتقاصر النفس عن الاعتصام بتلك الحقائق.
والتي تبدو بجوار ذلك الطوفان الحسي باهتة، بعيدة، خفية.
وتبتعد النفس عن عالم السكينة والهدوء الباطني الداخلي.
الذي يبدأ منه الانطلاق إلى عالم الفكر والفهم والمعرفة والابتكار.
فإذا بالنفس تشتعل بسبب ذلك كله ضراوة وشراسة وتفلتا وتحايلا.
وتغلب القلب على صفائه.
وتغلب العقل على فكره، واستنارته، وتَبَصُّره بالعواقب والمآلات.
وتغلب الروح على نزوعها وتعلقها بالملأ الأعلى.
وتنعكس تلك الآثار على العقل والقلب.
فتلتبس المفاهيم.
وتتشوه الحقائق.
ويظلم الأفق.
ويقع الإنسان في الحيرة.
***

فيا أيها الإنسان!!!!
أناشدك بالله.
أن تقف وقفة.
لتعيد بناء الذات.
حتى تتوازن فيك القوى.
وحتى تكون قويا شامخا.
تهضم كل تلك الأحداث والعلل.
وتخرج منها على ثبات وبصيرة.
ومعرفة قوية بالله.
وها هي يدي مبسوطة إليك.
حتى نسير خطوة خطوة.
مع الميزان الرباني الحكيم.
ومع هدي النبي المصطفى الكريم.
صلى الله عليه وسلم.
وإلى لقاء،،،

 

اعلان