Dp هوامش على دفتر الوكسة
الرئيسية > سياسة > مقالات رأي > هوامش على دفتر الوكسة

هوامش على دفتر الوكسة

إنه لأمر محزن أن يرى الإنسان في منتصف عمره فريقا من أبناء وطنه يعتبرون الموت من أجل التنازع على السلطة هو شهادة

أميرة الشربيني
إنه لأمر محزن أن يرى الإنسان في منتصف عمره فريقا من أبناء وطنه يعتبرون الموت من أجل التنازع على السلطة هو شهادة، كالتي وصفها الله عز وجل في قرآنه الكريم، مشيرا إلى من ماتوا في سبيله وهو العزيز الغني.

أن يعتبر مصري دم مصري آخر حلالا، وأن يُرد على العدوان بعدوان، لا عن جهل فقط بل وعن قناعة تامة! كيف يرى هذا المواطن البسيط الذي لم يتمنَ يوما لوطنه ما نحياه اليوم سواء كان مسلما أو مسيحيا مسالما لا باع له بالسياسة وصراعاتها.

هؤلاء الذين أعمتهم نشوة الدم وغررت بهم عصبيتهم، لا يمكن لهم أن يتصوروا مشاعر مواطن مصري، يعرف أن الدم متربص بوطنه ويسمع بنفسه مصريين يجاهرون بالدعاء على مصريين مثلهم.

الأديان السماوية التي تقوم على الحب، حب الله وحب الإنسانية، كم نرتكب باسمها من جرائم مُغرقة في الكراهية! ولقد كانت دوما السلطة هي المحرك الأساسي للبغضاء التي إسلامنا منها بريء ومسيحيتنا منها بريئة، حتى موسى كليم الله لم يأتِ بالديانة اليهودية كي ينشر كراهية، بل جاء كي ينصر أقلية مضطهدة من فرعون تجبّر، حتى قتل أطفالا رُضّع لأن نبوءة أخبرته أن أحدهم سيقوّض عرشه!

عرش الرب الذي يستحضر البعض باسمه اللعنات على البعض الآخر هو العرش الوحيد الباقي، وتلك هي الحقيقة التي لا جدال حولها، ولقد كان بالتاريخ عروش ظن سادتها أن لن تبيد أبدا، وانظر اليوم إلى الحال.

ولمن أكتب اليوم لو أن المنطق الإنساني الفطري هو الغالب؟ ما تجرعنا ظلما ولا تخبطنا في فوضى ولا وصلنا إلى هذا اليوم.

لكن على هوامش الأحداث نشهد على عصر لم يحك لنا عنه أحد، بل سمعنا ما دار به بأنفسنا ورأينا أحداثه بأعيننا، بينما يدعو كل داعٍ لقومه، ونقف في يوم مشهود كهذا اليوم، ننتظر بترقب وقلق ما سيسفر عنه.

الأمر تخطى صراعا على سلطة الحكم المصري وامتد إلى معرفتنا أننا نمر بأزمة لم يسلم منها شعب في التاريخ، عندما يختلط الحابل بالنابل ويكون صوت الفوضى هو الصوت الأعلى.

اسمح لي أيها القارئ أن أخرج عن السياق المتعارف عليه تلك الأيام، وأن أكتب يوم 30 يونيو على هامش تاريخ بلدي ليس لكي أدعوك إلى فريق بعينه ولا كي أحلل الوضع الذي قتله غيري بحثا، ولكن كي أشير إلى أنه مع اقتراب انتهاء العام الثالث بعد الثورة، آن لنا أن نتنبّه أننا دائما واقعين بين شقي رحى واختيارين كلاهما مُر، أو جدل بين فريقين كلاهما على صواب!

لأينشتين مقولة شهيرة: “لا يمكن حل مشكلة ما بنفس طريقة التفكير التي أوقعتك بها”.
لماذا لا يتنبه أحد وسط ذلك الهرج لكون كل الأطراف مخطئة، لكوننا لن نخرج من المأزق بوضع الشعب المصري أمام خيارين لا ثالث لهما بصورة دائمة!

الإخوان يدعون لشرعية الرئيس، وباقي الشعب يرفض أخونة الحكم، وبين الفريقين فوضى وتردي أوضاع اقتصادية وخطورة وضع عالمي، ومصري استحل دم مسلم آخر بدعوى الشهادة، ومصري آخر سيدافع عن حياته ولو بالدم!

قبل عام كانت الانتخابات أيضا معضلة مشابهة، فريقان لا ثالث لهما واختياران كلاهما غير مقبول كُلية!
بعد أعوام من عدم ممارستنا للسياسة، من عدم وجود تجمعات حزبية ولا رؤية واضحة من جانب جموع الشعب، فقط رؤية أحادية الجانب من السلطة وتحكم في كل القرارات من خلالها، الشعب المصري أشبه برضيع مبستر لم يعلمه أحد المشي ومطلوب منه اليوم أن يركض!

كل سقطة نسقطها تلك الأيام توجع جسد وطننا، أثر الرضوض ظاهر في اقتصاد يتراجع ومؤشرات بورصة تتهاوى وسياحة تنحسر، وفي الداخل أزمات مختلفة وأسعار لا تناسب دخل المواطن.

ولم يزل النخبة لا يملكون تصوّرا واقعيا عن الغد، ولا الإخوان المسلمون يقدمون وعدا ملموسا للخروج من تلك الأزمة.

تخوين كل طرف للآخر الذي وصل إلى حد الدم هو الحل العبقري الذي وصلت إليه تلك العقول المصرية، التي توقعنا في نفس الشرك كل مرة، لأن طريقة التفكير لا تتغير.

يوم الأحد 30 يونيو هو يوم فاصل في حياة المصريين، لا لكون فريق سينتصر على فريق، ولكنه في رأيي يمثل أوج المعضلة التي لم نبدأ بعد في البحث عن مخرج منها.

وما ندعوه تلك الأيام “سياسة” بكل تعريفاتها وتحليلاتها، وحتى في الموقف الحالي، لم تُقدم لنا رؤية ناضجة سليمة.

لذا فإن دعوة البعض كانت وستظل، لا لفريق سياسي ولكن لوطن كامل، فما أطعمتنا السياسة ولا أغنتنا بعد، بل فرقتنا ووكستنا.

أما عندما تكون السياسة من أجل الخير والحرية والعدالة بحق، عندما تكون منطقية، لا مجرد نفير يدعو لمزيد من الهرج، فإن كل مصري سيقدم خيره لنفسه ولوطنه.

قد يتمثل الحل في نبذ سياسة القيادة التي تُصلح ونبدأ في الإصلاح المجتمعي من بين جموع الشعب أولا، فلو أن الجذور سلمت سينبت بالتبعية ثمر ناضج؛ الحل من قاعدة الهرم، فلقد مللنا من الخيبات التي سببها لنا كل مُعتلي قمة.

 

اعلان