Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب.. يسقط عباس الشماشرجي!
الرئيسية > سياسة > مقالات رأي > د. أحمد خالد توفيق يكتب.. يسقط عباس الشماشرجي!

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. يسقط عباس الشماشرجي!

جهات عديدة خرجت إلى الميادين تطالب بإسقاط الرئيس وتقول إن الانتخابات مزوّرة، لا يوجد استفتاء واحد أو انتخاب واحد لم يقولوا إنه مزوّر

كان الطريق خاليا ولا توجد ميليشيات لحسن الحظ.. هناك هدنة قصيرة اتفق عليها الطرفان، سوف تستمرّ ساعة أخرى..

كان بوسع محمود أن يشقّ طريقه منحنيا جوار الجدار المزدان بالطلقات، حتى يبلغ بائع الخبز فيبتاع بعض أرغفة للأولاد.. يا لرائحة البارود هذه!! هل هذه رائحة الموت التي تحكي عنها القصص؟

المدارس متوقّفة منذ فترة بسبب سوء الأحوال الأمنية، والشرطة لم يعد لها وجود طبعا.. تحسس ما في جيبه من دولارات قليلة؛ فهو يعرف أن بائع الخبز لن يقبل سواها بعد ما صار سعر الدولار خمسين جنيها مصريا.. لم يعد لديه حساب في المصرف بعد ما أفلس المصرف منذ زمن.

اليوم تستمرّ التظاهرات الملتهبة ضد الرئيس عباس الشماشرجي.. جهات عديدة خرجت إلى الميادين تطالب بإسقاطه وتقول إن الانتخابات مزوّرة، لا يوجد استفتاء واحد أو انتخاب واحد لم يقولوا إنه مزوّر منذ فاز الرئيس حمدين صباحي بالرئاسة..

يومها خرج كثيرون يؤكّدون أن الانتخابات مزوّرة، وإنه فاز “على الحركرك” بهامش ضيق جدا.. لا أعرف موضوع الهامش الضيّق هذا، ولو تمّ تطبيقه لكان على جون كيري أن يجمع أنصاره ويدعوهم للعصيان المدني ضد جورج بوش وتشتعل حرب أهلية جديدة، لكن الأحمق كيري اتصل به وهنّأه على الفوز..

الطريقة الأخرى المؤكَّدة هي أن تجري حسابات معقّدة لنسبة من شارك في الانتخابات ونسبة من جلس في بيته، وتفترض أن النسبة الممتنعة كانت بالضرورة سوف تختار الطرف الآخر.. هذه الحسبة ناجحة دائما في أي انتخابات، وتُوحي دائما بأن مَن لم يفُز هو الفائز..

جرى محمود مسرعا وقد بدأ الرصاص ينطلق من مكان ما.. الصدى يدوي في السماء.. مستحيل أن تعرف اتجاه الطلقات.. هذا خرق صريح للهدنة، لكن لأي جهة تشكو؟

بدأ كل شيء مع إزاحة الرئيس الأسبق مرسي بدعوى عدم شرعيته وأنه اغتصب مصر.. قال الذين فعلوا ذلك إنهم يريدون دولة مدنية، وإنهم لم يُقاتلوا كي يمنحوا الحكم لبديع والشاطر.. كان مرسي رئيسا مرتبكا ضعيفا، لكنه بالتأكيد لم يكن الحاكم العسكري الإسرائيلي أو الشيطان.

أيامها هبّ الإعلام هبة رجل واحد لتطيير عنق الرجل والاستخفاف بكل شيء يقوله أو يفعله، وتفتت مصر إلى اعتصامات وعصيان مدني وتظاهرات في كل مكان، بينما الإعلام يُهلّل لهذه الصحوة “التي أعادت روح ثورة يناير”. كثيرون من أعداء الثورة المعروفين صاروا ثوارا أعتى من جيفارا نفسه وتقدّموا الصفوف فاتحين صدورهم.. إنه رحيل مرسي أو الشهادة.. في فترة كانت كراهية مرسي من موضات المثقفين.. أنت مثقّف إذن أنت تكره مرسي. تذكّر: أنت لا ترفض قراراته؛ لأنها فاشلة أو حمقاء أو متسرّعة بل ترفضها لأنه هو.. أنت لا تقول ذلك علنا طبعا لكن اللسان ينزلق أحيانا، وقد قالت جبهة الإنقاذ مرارا في البداية أن هدفها إسقاط مرسي، ثم صار هدفها الامتناع عن التصويت في الدستور، ثم صار هدفها قول “لا”، ثم صار هدفها إثبات أن الاستفتاء مزوّر..

نتيجة لعجزه عن عمل شيء وسط هذا الحصار، تحرّك مرسي بشكل دكتاتوري مستقل مصرّا على أن يمضي بالسيارة مهما حدث، وعلى أمل أن يجد هؤلاء أنفسهم واقفين وحدهم في الصحراء، لكن الظروف كانت ضده، وقد كان تصرّفا خاطئا على كل حال، فما كان عليه أن يسمح لهم بجرّه إلى المصيدة..

لما رحل مرسي قال الإسلاميون إنهم شاركوا في اللعبة السياسية بقوانينها، لكنّ أحدا لم يترك لهم الفرصة، وهكذا بدأت تتكوّن الميليشيات المسلّحة في كل مكان حسب سيناريو الجزائر الشهير، وكان العنف جاهزا لا يحتاج إلى دعوة أو تذاكر دخول..

جاء حمدين صباحي بانتخابات نزيهة، لكن الاحتجاج صار عادة؛ أي طرف يخسر الانتخابات يشعل الأرض نارا.. كل رئيس منتخب يعلن من لم ينتخبوه العصيان المدني ويخرجون للميادين غاضبين، وهي السنة التي بدأها خالد علي بعد سقوطه في انتخابات الرئاسة، ثم تبعه حمدين صباحي وأبو الفتوح.. فَهْم غريب جدا للديمقراطية يدل على أننا بحاجة لقرون حتى نقبلها..

وهكذا راح الإسلاميون يؤكّدون أن الانتخابات مزوّرة.. لديهم لقطات فيديو وتسجيلات وشهود..

المشكلة الأخرى في عصر حمدين كانت التناحر الشرس بين جبهته وجبهة عمرو موسى والبرادعي والسيد البدوي.. هؤلاء لم يكونوا قلبا واحدا قط كما نعرف، ولو كانوا قلبا واحدا لرشّحوا واحدا منهم في الانتخابات من أوّل مرة ولما رأينا كل هذا العناء.. ومع الوقت كوّن أنصار كل طرف -حتى لو لم يرض نصيرهم بهذا- ميليشيا خاصة بهم، وشعار الجميع هو: فلتحترق مصر ولنحكم نحن ما تبقّى منها.. وهو نفس شعار الطرف الآخر تقريبا كما تعلم.

اشتعلت البلاد بالفعل وازداد الانهيار الاقتصادي، وفي ذات الوقت حدثت عدة حوادث للقطارات؛ فانفجر الجميع يتهمون حمدين بالفشل والعجز كمن سبقوه..

بالطبع كانت المصادمات دامية، وجرت محاولات عديدة لاقتحام وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، واندسّ أشخاص مجهولون أطلقوا الرصاص على المتظاهرين وازداد عدد القتلى؛ فخرجت الصحف تصرخ:
ـ “حمدين يُكرّر نفس أساليب مرسي ومبارك”.
بالطبع سوف تطول القائمة أكثر مع الوقت..

تكرّرت نفس النداءات المألوفة: نريد إسقاط حمدين.. ثم: العصيان المدني.. ثم: لا نقبل شرعية حمدين، وسوف نظلّ في التحرير للأبد..

في النهاية أطاحوا بحمدين بعد 4 أشهر من الحكم.. يبدو أنه لا بد لكل واحد أن يأخذ دورته في الحكم بعض الوقت حتى يقرّر الناس أنه فاشل.. نفس السيناريو الذي كان الناس يدعون له فيما سبق: أعطِ الإخوان فرصة ليصلوا للحكم.. دعهم يفشلون.. هكذا يصمتون ويصمت مؤيّدوهم..

على كل حال وحتى هذه اللحظة -بعد عامين- لم يكتب الدستور بعدُ، وما زال الجدل البيزنطي دائرا.

جاء الرئيس عباس الشماشرجي -حفظه الله- وأطلق الكثير من الوعود، وقال إنه سيُكافح حتى يصير سعر الدولار عشرين جنيها فقط، وحتى يعود ثمن كيلو اللحم إلى مائة وعشرين جنيها كما كان..

كالعادة خرجت الصحف في اليوم التالي تُؤكّد أن مصر في الحضيض واقتصادها انتهى، وهي عناوين تعتقد الصحف أنها تساعد في إسقاط الرئيس الحالي، بينما هي تحمل تناقضا صارخا: فلماذا لا تعودون لأعمالكم إذن؟

نفس الصحف كانت تدعو الناس للثورة والخروج للشارع من أجل مصر، والحقيقة أن هناك أناسا أدمنوا الثورة ولم يعودوا يطيقون العودة لأعمالهم أو كلياتهم لتنتظم الأمور.. جو الزحام ورائحة الغاز والخطر المستمرّ والأناشيد والشعارات.. هذا جو لا يقدرون على مفارقته، لكنهم يلومون الرؤساء المتتالين؛ لأنهم لم يجلبوا الاستقرار.. من أين يأتي الاستقرار إذن ما لم تعد لعملك أولا؟

هل حقا يُدرك الناس أنهم يحرقون أخشاب السفينة التي تحمل الجميع؟ لو كان لي مِن الأمر شيء لكان لا بد أن أترك مرسي ينهي فترته، مع معارضته عبر القنوات الشرعية المعروفة.. لو كان لي من الأمر شيء لسعيت خلال هذه الأعوام للفوز في الانتخابات القادمة وتغيير الواقع.. لو كان لي من الأمر شيء لما كرّرت أخطاء الماضي، ولما أضعت وقتي في محاولة تدمير الجيش والظهور الأبدي في الفضائيات، ورفض كل شيء، بينما الإخوان المسلمون يرتّبون صفوفهم كي يفوزوا في الانتخابات بهامش ضيّق أو واسع.. كنت سأكسب الانتخابات القادمة.. بالتأكيد..

سوف يسقط الرئيس عباس الشماشرجي.. لا شك في هذا..

هكذا تظلّ مصر يوما بعد يوم بلا زوج أو فارس.. المزايدات لا تتوقّف ولا تهمد لحظة؛ مثل قصة السندباد عندما ترك القصر والجارية الحسناء زاهية في بغداد، وتنافس التجّار على الفوز بها.. ظلّوا يزايدون.. في كل يوم يزايدون.. للأبد يزايدون.. لم يأخذها أحد حتى عاد السندباد من رحلاته بعد أعوام واستردّ كل شيء..

محمود يهرع جوار سيارة محترقة.. يتسلّل إلى شارعه العتيق الذي صار بلا كهرباء ولا صرف صحي ولا ماء.. سوف يأكل أطفاله خبزا اليوم.. على الأقل سوف يكون مطمئنا..

على باب البيت قابل ذلك المتسوّل الكفيف الذي لم يعد أحد يُعطيه مالا.. قال المتسول:
– “لماذا لا يُطلقون سراح علاء بيه وجمال بيه والعادلي بيه ويتوسّلون لهم كي يحكمونا من جديد؟”.
كان السؤال قاسيا ومثيرا للغيظ؛ لذا تظاهر محمود بأنه لم يسمع شيئا..

 

اعلان