Dp عن “الحلّوف” الذي لم يَرفُق بـ”القوارير”
الرئيسية > سياسة > مشاكسات > عن “الحلّوف” الذي لم يَرفُق بـ”القوارير”

عن "الحلّوف" الذي لم يَرفُق بـ"القوارير"

ضابط ينقضّ على البنات بالقايش كأنهن أغنام، ما كل هذه البطولة؟

ولكن لماذا ينفعل المرء على فتاة رقيقة نحيلة ويصفعها ويركلها؟ “سمية” طالبة الدراسات الإسلامية في الزقازيق تُضرب بوحشية على أيدي وأرجل الحرس الجامعي!

أين أنت يا أستاذ “عباس”، يا من كنت تمشي في المدرسة الثانوية حاملاً رِجل كرسي غليظة، وكنت تهوي بها على رءوس الفتيان عندما يثيرون حفيظتك؟ وفي يوم رائق قلت لنا إنك كنت تعمل في مدرسة بنات قبل هذا:

– “لم أتحمل العمل هناك.. الفتاة تكفيها كلمة غليظة أو زغرة كي تتشنج ويُغمى عليها.. الفتيات هشّات رقيقات أكثر مما يجب، والتعامل معهن يحتاج إلى عبقري؛ بينما أنتم مجموعة من الأوغاد ثخيني الجلد.. “ربنا يخليكوا ليّ”!.. طلبت أن أُنقل لهذه المدرسة؛ حيث أتعامل مع الفتيان.. والفتيان فقط.. هكذا أهوي على رأسك بمقعد فلا تصاب حتى بصداع، ولا تشعر بأنك أُهنت.. العمل هنا يريحني ويناسبني..”.

هكذا تكلّم الأستاذ “عباس”، وقد لاحظت بعد ذلك أن كثيرين من المدرسين جاءوا فارّين من مدارس البنات. كان الناس في ذلك الزمن يحترمون تكوين الأنثى الجسدي والنفسي، ويعرفون أنها لا تتحمل أي نوع من غلظة التعامل.. رفقاً بالقوارير… رفقاً بالقوارير.

إذن لماذا ينفعل المرء على فتاة نحيلة صغيرة الحجم ويصفعها ويركلها؟

الاحتمالات كثيرة:
1- أنها تعمل مع أسامة بن لادن، وقد لغّمت جسدها بحزام ناسف، ولربما كانت تنوي أن تبيع بعض الهيروين والكوكايين قبل أن تُفجّر نفسها.. لا أعتقد أنها تذبح الأطفال وتشرب دمهم كما كانت ساحرات العصور الوسطى يفعلن؛ لكن شيئاً لم يعد مستبعداً في هذا الزمن. فقط أنا رأيت صورة الفتاة في ذلك الفيلم، وبدت لي “غلبانة” جداً.. متديّنة نعم، وتلبس الخمار نعم؛ لكن هذا لا يوحي بأنها ستفجّر نفسها.

2- ربما هي أهانت من ضربها وسبّت أمه وأطلقت بعض الأصوات الحلقية في وجهه.. مستحيل أن تفعل هذا؛ لكن لو فعلَتْه فرضاً؛ فهل من قارئ لهذا المقال يجرؤ على ضرب امرأة -أية امرأة- لهذا السبب؟ رأيت سائق سيارة تاكسي فظّاً ارتطمت به سيارة من الخلف.. نزل ليفتك بالسائق.. فلما عرف أنها أنثى عاد لسيارته وهو يطلق السباب من تحت شاربه.. لا يمكنه أن يفعل أكثر من هذا، إذا لم يُرد أن يحرر محضراً ويضيع وقته.

3- أنها تجيد لعب “الكويك سول”، أو أية رياضة آسيوية قاتلة. لا يوحي منظر الفتاة بهذا كثيراً، والدليل أنها تلقّت الضربات كأنها دمية.

4- أنه تلقّى تعليمات صارمة من رؤسائه بذلك.. من الواضح عندما ترى الفيلم أن تدرك أن هناك جواً من التوتر والعصبية، وأنه مضغوط فعلاً.. هناك نوع من الدقّ على رأسه لا يتوقف؛ لكن لا أعتقد أن وزارة الداخلية وزّعت منشوراً على ضُبّاطها يأمرهم بصفع وركل الفتيات النحيلات.. إنه اجتهاد شخصي منه.. تعليماته هي فضّ التجمهر بأية وسيلة؛ لكن طريقة تنفيذه للتعليمات يمكن أن تقضي على أية وزارة في بلد متحضر.

5- الاحتمال الأخير أنه “حلّوف”.

أميل كثيراً للاحتمال الأخير، وأنه مجرد “سايكوباث” سادي مغرور.. عندما ترى الفيلم ترى مجموعة من الفتيات لا أكثر، وضابطاً شديد الغرور برتبة نقيب يضع نظارة “ريبان” ليبدو مهماً خطيراً. ثم ينقضّ على البنات بـ”القايش” في يده كأنهن أغنام، مع توجيه ركلات بحذائه.. ما هذه البطولة والرجولة والفحولة؟ كنا بحاجة لك عندما انقض المشجّعون التونسيون يمزّقون رَجُلَيْ أمن مصريين فلم يساعدهما أحد. لا بد أن الوالدة وخطيبتك فخوران بك جداً، ولربما أطلقت حماتك الزغاريد وهي ترى الفيلم.
 
يا أخي، “بونابرت” نفسه أوصى جنوده عند غزو مصر بأن يبتعدوا عن النساء لأن هذه هي الأمور التي تُشعل الثورات، وكان أول ما قام به هو إعدام جندي فرنسي اغتصب امرأة مصرية؛ فهل كان “بونابرت” أكثر حكمة وفهماً للمصريين؟

الضابط ينهال بالركلات، ويمنعون سيارة الإسعاف من نقل الفتاة، التي يدلّ وجهها الشاحب على مصيبة.. لا أعرف إن كانت أصيبت بنزف داخلي فعلاً أم لا؛ لكن النقيب المحترم فَعَل ما بوسعه ليحقق ذلك؛ بينما الفتيات يردّدن “حسبي الله ونعم الوكيل” بلا توقف.. شعرت بقشعريرة وتجمّدت دمعتان في عينيّ..

هؤلاء الحمقى يغذّون التطرف بلا توقف.. لكلّ فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومضادٌّ له في الاتجاه؛ فهل يتوقعون ممن يرى هذا المشهد أن يحتفل بعيد الشرطة؟

هناك أكثر من شاب في مكان ما، قرر أن “الانتقام” هو السبيل الوحيد، ومشهد ضرْب “سمية” لا يفارق مخيّلته، كما لم يفارقه وجه “خالد” الذي دهمته قبضة الأمن المصرية في الإسكندرية؛ فحوّلته إلى عجين.

والآن تعالَ معي إلى “الحلّوف” الذي ضرب الفتاة.. هل كان يعتقد أن الأمر سيمرّ على خير؟ ضرْب طالبة، وتصوير كامل للجريمة بموبايل فتاة باسلة.. وبالتالي يجد الشريط طريقه لفيس بوك ويوتيوب وكل جمعية حقوق إنسان في المعمورة. ألم يخطر بباله للحظة أنه رتبة صغيرة، وأن أعناق أمثاله تطير بسهولة لإرضاء الجماهير الغاضبة؟ غبيّ..

أنا أطالب بتعديل شروط دخول كليات الشرطة.. لا يكفي أن يكون ولداً حليوة، رشيقاً، حاصلاً على 51% في الثانوية العامة، ولم يقرأ حرفاً في حياته، ويحبّ أن يَدْهَم القطط بسيارته، وعمّه هو مراد بيه.. يجب أن يخضع لفحص نفسي كامل؛ لاستبعاد “السايكوباثية” والاضمحلال العقلي والغباء والسادية.. الرجل الذي يضرب حشداً من الفتيات بهذا الحماس لا يستحقّ أن يحيا أصلاً.

النقطة الثانية هي الحاجة لتحجيم الأمن قليلاً.. لقد توحّش الأمن، وخرج من قُمقمه، وصارت السيطرة عليه مستحيلة. والعجيب أن عملية سطو مسلّح قد تحدث على بعد متر من هذا الضابط فلا يهتمّ.

هل “سمية” من جماعة الإخوان؟ هل الإخوان هم من أحدثوا هذه الضجة؟

لا يهمني أن أعرف.. حتى لو كانت هي “أيمن الظواهري” شخصياً.. ما أعرفه هو أن ضابطاً “حلّوفاً” وجّه سيلاً من الضربات والصفعات والركلات لفتاة يمكن أن تكون أختي أو ابنتي. وهذا المشهد موجود على النت ولم يحكِهِ أحد لي.
 
والسؤال الأخير هو: من سمح له بدخول الكلية أصلاً؟ “جاي مع مين يا شاطر”؟ لو سارت الأمور كما ينبغي لطرده العُمّال؛ لأنه دخيل على كلية فتيات. ربما جاء للتحرش كذلك.

منذ أعوام كانت هناك مظاهرات تأييد للانتفاضة في مصر، ونقلت شاشة الجزيرة كيف يصفع رجال الأمن وجوه الشيوخ الأجلاء من المتظاهرين؛ فعلق أحد قادة حماس قائلاً:

ـ “في الحقيقة أعتقد أن الفلسطينيين هم الذين يجب أن يخرجوا في مظاهرات احتجاجاً على معاملة الشرطة المصرية للمصريين! إنهم في وضع أسوأ منا بكثير!”.

اعلان