Dp أفلام الحافظة الزرقاء.. بيردي
الرئيسية > كلام في الفن > سينما > أفلام الحافظة الزرقاء.. بيردي

أفلام الحافظة الزرقاء.. بيردي

هذا الفيلم الساحر أخرجه آلان باركر عام 1984 عن قصة لويليام وارتون، وكانت القصة تدور في أيام الحرب العالمية الثانية، لكن تم جعلها حرب فيتنام


هذا الفيلم الرقيق أخرجه آلان باركر عام 1984

عالم المراهقة الساحر الجميل والمفعم بالألم والحزن برغم ذلك، وقصة صداقة طويلة بين ولدين، أحدهما يمثل الشاب المقتحم الجريء، والآخر يمثل الشاب الحالم الذي صنع لنفسه عالمه الخاص، ثم يكون على هذين الصديقين أن يواجها العالم القاسي المخيف، والنتيجة هي أنهما يتحولان لحطام.

هذا الفيلم الرقيق الساحر أخرجه آلان باركر عام 1984 عن قصة لويليام وارتون. قصة وارتون كانت تدور في أيام الحرب العالمية الثانية، لكن تم جعلها حرب فيتنام هنا. السيناريو كتبه ساندي كرويف وجاك بهر.

شاهد التريلر هنا:

باركر مخرج بريطاني عظيم، يمكن أن تتذكر أنك رأيت له أفلاما مثل “المسيسبي يحترقMississippi Burning” و”إيفيتاEvita ” و”الشهرة Fame” و”الجدار لبينك فلويد Pink Floyd The Wall”.. والفيلم الأشهر “إكسبريس منتصف الليل Midnight Express “، ولا أخفي أنني معجب به بشكل خاص.

هناك وجهان جديدان يلعبان دوري الشابين في فيلم اليوم، ولسوف تميز منهما على الفور وجه نيكولاس كيدج في أول أفلامه على الإطلاق، وهو قريب للمخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا، لكنه أصر على أن يشق طريقه بنفسه بعيدا عن “العائلة” كما يسمون أسرة المخرج الكبير.

بيردي الذي يحمل الفيلم اسمه هو الشاب الآخر الرومانسي الرقيق، وأدى دوره الممثل ماتاز مودين، الذي يعيش من أجل الطيور وبها؛ كل حياته صور طيور وكتب عن الطيور، يقضي الوقت في مراقبة الطيور ودراسة كيفية الطيران.

هذان الصديقان يشتركان في صيد الحمام ووضعه في أبراج، الشاب نيكولاس كيدج لا يفهم سبب هذا الاهتمام المجنون عند صاحبه لكنه يريد أن يسعده. إن كيدج أقرب إلى عالمنا ومعجون به جيدا، بينما مودين الحالم يعيش فعلا على الهامش.

تقريبا بعد هذه البداية السريعة، نرى مستشفى عسكريا. نرى الفتى الرقيق بيردي يجلس طيلة الوقت في غرفة المستشفى التي صارت أقرب إلى زنزانة. هناك فتحة من الحديد في السقف، يدخل منها النور.. لوحة فنية رسمها المصور ميشيل سريسن. وبيردي يقضي وقته عاريا متكوّرا كطير حبيس عند حافة الفراش.. لغة جسدية لا توصف توحي فعلا بأنه طائر.. شاهد البوستر لتفهم. نرى نيكولاس كيدج الجندي الذي استدعوه، يعرج قليلا وقد ضمد وجهه. إن الشابين عائدان من الحرب، بالذات من تجربة فيتنام الرهيبة.

لقد أصيب بيردي بانهيار عصبي وخلل في عقله من فرط الهول الذي رآه في فيتنام، لهذا لا يتكلم ولا يفعل أي شيء سوى الجلوس وحده في هذه الزنزانة.. يستدعون صديقه وزميله في ذات الكتيبة نيكولاس كيدج لعله يستطيع أن يخرجه من هذا السجن النفسي، لكنه يفشل. وفي معظم لقطات الفيلم يجلس على الأرض وقد وضع صديقه في حجره كأنه أم تحتضن رضيعها.

الفيلم بعد هذا فلاش باك طويل يحكي قصة الصداقة التي لا توصف بين المراهقين، وأنت تعرف كم أن هذا الحديث يمكن أن يكون مؤثرا ذا شجون! برج الحمام في الحديقة وثورة الأبوين وتدميره. عملية شراء أول سيارة وإصلاحها.. طفولة ومراهقة أمريكيتان جدا.

من حين لآخر نعود إلى المستشفى العسكري الكئيب المفعم بالظلال.

بيردي كان يملك عصفورا جميلا أصفر، وكان يمضي معه الساعات يلاعبه ويطعمه، لقد توحّد به فعلا، وصار قادرا على أن يرى الكون بعينيه.

وأعتقد أن هذا الفيلم هو أروع فيلم قدّم لنا حلم الطيران، حيث تندفع الكاميرا خارج النافذة ثم تحلّق فوق الفناء، ثم ترتفع وترتفع فوق الضاحية حتى تلمس السحاب.. موسيقى ساحرة وبراعة تنفيذ جديرة بآلان باركر.

 

قط شرس ينقضّ على العصفور الصغير فيلتهمه، لكن بيردي ينجح في انتزاع القط من بين أنيابه.. يحاول أن يعيد له الحياة، وهو ما ينجح فعلا بعد عدة محاولات، فينطلق العصفور الشقي في أرجاء الحجرة..

بيردي يصف دائما حلم الطيران.. الصعود.. فوق كل شيء.. فوق مشكلات الحياة..

يجرّب المراهقان الطيران ببذلة من ريش الطيور يصنعها بيردي، مع مفصلات أجنحة خاصة. يجرّب أن ينطلق من فوق المنحدر على زحافات وهو يضع هذه البذلة.. يطير لربع ثانية ثم يسقط في المستنقع.

نعود إلى المستشفى من جديد..

واضح أن بيردي لا يستجيب لسيل الذكريات التي يقصها عليه صديقه..

ونيكولاس كيدج يرى المستشفى.. يرى الضحايا العائدين من فيتنام الذين دمرت هذه الحرب اللعينة حياتهم بالكامل.. حرب لا مبرر لها ولا يوجد أي نفع أخلاقي منها. وهو يدرك أنه ضحية أخرى تتعفن ببطء من ضحايا حرب فيتنام.

وفي مونولوجاته الطويلة مع صديقه يقول له الكلمات الأليمة:
ـ “لقد ظفروا بنا يا بيردي.. دمرونا وحطموا حياتنا”.

مع الوقت تتلاعب ابتسامة على شفتي بيردي، ويطير نيكولاس كيدج بهذه النتيجة ويخبر بها الجميع، لكن لا يبدو أن أطباء المستشفى متحمسون..

 

في النهاية يقول لبيردي:
ـ “أنا أتكلم وأنت لا ترد عليّ كأنني مجنون.. لماذا لا تكلمني؟! ستكون هذه آخر زيارة لي”.

هنا فقط ينطق بيردي:
ـ”لا تتركني”.

يهزه بعنف غير مصدق.. لقد عاد الطائر الآدمي للحياة.

وهنا يدور مشهد مثير، إذ يحاول أن يفر بصاحبه من المستشفى وسط قوات البوليس الحربي.

 

وفي النهاية يخرج الشابان للعالم الخارجي المشرق، بعيدا عن عالم الحرب الكئيب المظلم. هذه نهاية تذكّرنا نوعا بنهاية “إكسبريس منتصف الليل”، حيث يفر الشاب من السجن التركي قاصدا النور.

الفيلم عمل رائع ويمكنك مشاهدته كاملا هنا:

كما يمكنك أن ترى ملخّصا وافيا لأحداثه هنا:

نال الفيلم إعجاب كل من رآه، وقد رأيته في فيلم نادي السينما بالتليفزيون في الثمانينيات، فظل مذاقه الساحر في فمي عدة أسابيع. فلا عجب أنه نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان 1985.
 
برغم أن الممثلين الشابين يظهران لأول مرة، فقد أبهرا المشاهد بأدائهما، والحقيقة أنه تم اختيارهما بين 2000 شخص.. لكن آلان باركر يرى أن الصعوبة الكارثية فعلا كانت هي السيطرة على الطيور والقطط في الفيلم.

فيلم “بيردي” جدير بأن يوضع في الحافظة الزرقاء، وأتمنى أن تراه..

 

اعلان