Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب: أنا أتذكّـر (2).. شيرين
الرئيسية > ثقافة > ثقافة وأدب > د. أحمد خالد توفيق يكتب: أنا أتذكّـر (2).. شيرين

د. أحمد خالد توفيق يكتب: أنا أتذكّـر (2).. شيرين

سديم كانت خجولاً جدًا خاصة عندما يحدث شيء كريه مثل أن ينفصل إصبع من يدها أو يسقط جزء من الجلد


قال أبي في ضيق إنني أخرف (رسوم: فواز)

قال لي أبي إن فريق البيتلز البريطاني وجد مقبرة قديمة عليها اسم “إليانور رجبي”، فخطر لهم كيف كانت هذه المرأة تعيش حياتها. كتبوا عنها أغنية شهيرة جدًا، وما زال قوم كثيرون يعتقدون أنها ما زالت حية، ومن صدّقوا أنها ماتت ما زالوا يزورون قبرها..

– “الموتى قد يكونون أكثر حيوية من الأحياء.. وأنت قد منحت سديم هذه حياة خاصة بها..”

على أن اللحّاد أخبره بأن الفتاة ماتت غرقًا. كانوا أثرياء وكان هناك حمام سباحة في البيت.. القصة الشهيرة عن الأهل الذين يهملون الطفل فيقع في حمام السباحة ليلاً ويموت..
هذا أثار قلق أبي.. من أين عرفت أن الفتاة ماتت غرقًا؟؟

الطبيب حدثني عن الوساوس وحدثني عن الشخصية الأخرى الموجودة في ذهن كل طفل، والتي يتبادل معها الكلام. لكني كنت غارقًا في الحب ولم أشأ أن أفقدها..

كانت تلك هي الأعوام التي ظهرت فيها أغنية إيزاك هايز “لو كان حبك خطأ فلا أريد أن أكون على صواب”، وكانت تناسب الوجيعة بالضبط..
 

**************

والأغنية تتردد الآن..
هذه الليلة فريدة من نوعها.. برغم الفتيات الجميلات والصخب والزحام، ثمة رائحة ما أعرفها.. سوف يحدث شيء مهم..

الأغنية تتردد:
لو لم أرك عندما أريد.. فلسوف أراك عندما أستطيع..
لو كان حبك خطأ فلا أريد أن أكون على صواب
أنا مخطئ لأنني جائع لرقة لمساتك
بينما هناك من ينتظرني في الدار..
 
ما الذي ذكّرهم بهذه الأغنية؟
الفكرة هنا هي أن موقفي الأخلاقي لم يكن بهذه الدرجة من السوء..أنا لا أخون زوجة.. لكني كنت أخترق الحاجز الفاصل بين الموت والحياة..
عرفت من يحب فتاة ليست من دينه وكان هذا حاجزًا مهمًا..
هنا نجد حالة فريدة أن يحب المرء فتاة ليست من حالته البيولوجية!
سديم يا جميلتي.. سديم..

وشيرين تنظر لي ثم تدسّ ملعقة من السلطة بين شفتيها وتقول:
– “أقسم بالله إنك تحب.. هذه نظرات عاشق..”
غرست الشوكة في السلطة وتذوّقتها.. مالحة جدًا.. مالحة جدًا..

**************

شيء آخر كان مالحًا بذات الدرجة.
ربما دموعي وأنا أشرح لأبي أنه ليس بوسعي الاستغناء عن سديم. لن أحكي موضوع الإصبع المتآكل الذي وجدته أمي في جيبي طبعًا.. لم تكن قد سمعت عن النكروفيليا لذا كان الجنون هو الافتراض الوحيد لديها.. أنا جُنِنت بلا شك..

تم الفراق في يناير من ذلك العام عندما قرر أبي أن ننتقل لبلدة أخرى. وقد راق له هذا؛ لأنه سيحل مشكلتي بشكل غير متعمد.
هكذا ابتعدت عن هذه المقبرة ولم أر فتاتي بعد هذا طويلاً، لكنني ظللت أحمل لها ذكرى لا يمكن نسيانها..

وبعد أعوام صرت ناضجًا، وصممت على أن أعود إلى المقبرة لأبحث عنها. هذه الذكرى القوية المؤثرة. هل هي هلاوس طفولة فعلاً؟ يجب أن أعرف..
آه.. أرجو أن تمنحوني لحظة لابتلاع قرص من المهدئ لأنسى..

يُتبَع

 

لقراءة الأعداد السابقة من “أكشن” اضغط هنا

اعلان