Dp ليلة شتاء (1)
الرئيسية > ثقافة > أكشن > ليلة شتاء (1)

ليلة شتاء (1)

لا أحب مهنتي.. ولا أتحمل منظر الجثث الممزقة وأمقت رائحة الدم


كانت السيارة تشق طريقها وسط عاصفة توشك على اقتلاع كل شيء (رسوم: فواز)

السيارة تشق طريقها نحو تلك العزبة، وهناك عند ناصية الطريق يجلس ثلاثة من الخفراء يصطلون بالنار، وقد تدثّر كل منهم كرجل من الإسكيمو.. هناك خيمة من المشمّع لتحميهم من المطر الغزير، ويقف أحدهم ليصوب علينا نور الكشاف القوي، ويهتف:

– “لا يمكن الوصول إلى هناك يا باشا.. سوف يفيض المصرف.. بعد ساعة سيتحول هذا كله إلى نهر عميق ولن تعرفوا أين الطريق.”

قلت له في عصبية:

– “صوّبْ هذا الكشاف على شيء آخر أولاً.. لا يوجد حل آخر.. لا بد أن يذهب أحد هناك.. لن ننتظر حتى يأتي الربيع!”

راح يصف لبسيوني طريقًا مختصرًا.. ثم دعانا لكوب شاي كنا سنرحّب به طبعًا لو كانت الظروف تسمح..

ننطلق من جديد نحو تلك العزبة، بينما خزانات السماء تفرغ ما فيها فوق رءوسنا..

يقول بسيوني في توتر:

– “هذه رحلة خطرة جدًا… ربما كان من الأفضل أن نعود..”

– “لقد تمادينا بما يكفي..”

لسان برق يشقّ السماء من جديد… أتفحص الهاتف المحمول فأدرك أن الشبكة قد غرقت في الماء وماتت…

فجأة هتف بسيوني:

– “إننا قد دخلنا العزبة فعلاً..”

هذا صحيح!

صحيح أن العاصفة توشك على اقتلاع كل شيء، والأمطار تجعل الرؤية مستحيلة، لكن لا أعرف مكانًا آخر يمكن أن يكون مزروعًا بهذه الطريقة.. دعك من صوت خوار البهائم المذعورة في جرن ما، ونباح كلاب تعتقد أنها نهاية العالم، وذلك البيت المبني من القرميد…

هذه عزبة فعلاً..

ترجّلنا محاولين أن نتماسك فلا نسقط في الوحل، وأضأنا الكشافات بينما تحسّست مسدسي.. تبًا.. لقد ارتفع الماء لدرجة لا تصدّق حتى إنني فتحت باب السيارة فتسرّب للداخل..

اتجه بسيوني نحو الباب الخشبي العملاق ودق بيده الغليظة عدة مرات:

– “افتح!.. بوليس!”

لحظات وانفتح الباب بشكل شحيح، وظهر وجه رجل مسنّ ريفي يرتجف:

– “بسم الله الرحمن الرحيم”

الإضاءة ساطعة هنا لحسن الحظ…

ومن خلفه ظهر وجه رجل ريفي وسيم متأنّق.. أعتقد أنه في الخمسين من العمر.. يلبس الجلباب الأبيض الفاخر المميز لأثرياء الريف. هذا سيد بلا شك.. سألته:

– “عزبة الليثي؟”

– “أنا محمود الليثي.. تفضلوا..”

عندما دخلنا إلى المدخل الأنيق المريح تنهّدنا الصعداء، وشعرت بحرج من أحذيتنا المتّسخة بالوحل، لكن نزع الأحذية ليس جميلاً من الناحية البوليسية..

– “خيرًا إن شاء الله؟”

قلت له في حيرة:

– “أعتقد أن هذه العبارة جديرة بنا.. أنتم اتصلتم وتكلمتم عن جريمة قتل.”

نظر لي في دهشة.. ثم نظر للعجوز..

– “أعوذ بالله يا باشا.. لم يحدث شيء من هذا..”

بلاغ كاذب إذن؟ سيكون هذا أسخف مقلب شربته في حياتي.

لكن في الوقت ذاته كنت أنظر إلى الأرض.. إلى طرف الجلباب الأبيض.. هذه قطرات دم طازج. دم لم يتغير لونه بعد، ولا يمكنه إقناعي بأنه كان يذبح الطيور في هذه الساعة وهذا الجو..

البلاغ غير كاذب..
ويبدو أننا وجدنا القاتل بسرعة كذلك!

 

يُتبع

 

لقراءة الأعداد السابقة من “أكشن” اضغط هنا

 

اعلان