Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (3)
الرئيسية > ثقافة > ثقافة وأدب > د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (3)

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (3)

ينير البرق السماء للحظات ثم يرتسم ذلك الشرخ في الأفق ويتجه نحو الأرض.. وبعدها يدوي الهزيم الغاضب الحانق


هل هذه الجمجمة تحكي قصة؟ (رسوم: فواز)

كانت الجمجمة مستمرة في الكلام بلا توقف، كأنها تعمل بإرادة ميكانيكية.. قال لها جيروم وهو يفتح حقيبتها:
– لا أجد جهاز التسجيل وسط هذه الفوضى، لذا سوف تمسكين بقلم وورقة وتكتبين كل حرف يقال..
– أنت مجنون.. سوف أهرب.

لكنها كانت تعرف أنها لن تقدر على ذلك.. كانت أسيرة لقواه الجسدية قبل هذا، أما الآن فقد صارت هناك حبال من الخوف في كل مكان من حولها.. لو ركضت في أي اتجاه فسوف تتعثر.. لا تقدر على أن تتجه إلى الباب وتفر فوق الصخور وسط هذه العاصفة، الأمر أكبر من جيروم.. الأمر يدخل في نطاق آخر مفزع وأقوى من أي تصور.

هكذا راح مزيج من الدموع والمخاط يسيل من عينيها وأنفها ويبلل كل شيء، لكنها راحت تحاول أن ترى الورقة التي تكتب عليها..

كان الصوت يقول بلكنة شبه أجنبية:
– تهب الريح عبر السهوب، بينما الملازم جريجوري راسالييف يشق طريقه على جواده محاولا العثور على أرنب يصطاده وسط هذه الثلوج.. من بعيد هناك كوخ من أكواخ الحطّابين، وهناك كنيسة صغيرة تراكمت أمامها الثلوج، لكن لا بد أن الخوري ساهر حتى هذه اللحظة؛ سوف يقرع الباب قبل أن تتجمد أطرافه وقبل أن تصيبه نوبة صرع تودي به.

ما هذا الكلام العجيب؟
هل هذه الجمجمة تحكي قصة؟ ولماذا يتجشم المرء مشقة السحر الأسود وهذا الدم لتأتي جمجمة تحكي قصة؟ إن الرأس المقطوع يخص أخت جيروم، وهذا يعني أن التضحيات لم تكن هينة..
توقفت الجمجمة عن الكلام فقال جيروم:
– فاتني جزء لا بأس به، لكني سأحاول تخمينه.. تكلم يا سيد الرواية، مستر ديكنز.

هنا جاء صوت من الجمجمة التالية.. صوت عميق يتكلم بإنجليزية ممتازة:
– هكذا وسط هذه الثلوج وهذا القر، كان يفكر في كل الغلمان البؤساء الذين يتجمدون ويقتلهم الطوى في الأزقة الخلفية في هزيع الليل الأخير دون أن يجدوا كسرة من الخشنكان، وحتى في الميتم لم تك المعاملة أفضل حالا.. تذكر المستر جينسبورو مدير الميتم بسوالفه الكثة، وخديه الأحمرين والقبعة العالية التي لا ينزعها وزهرة البنفسج في سترته، هذا الرجل لم يكن ممن يمنحون الكرم ولا لطف المعشر إلا “نئيشا”.

توقفت الكلمة في حلقها فقال جيروم:
– “نئيشا” يعني نادرا.. “الخشنكان” هو البسكويت؛ هذا الرجل لا يستعمل إنجليزية سهلة أبدا.
– قلت إن اسمه…
قال بلهجة من لا يجد أي شيء غريب في الأمر:
– تشارلز ديكنز.. من الذي لا يعرفه؟

هل جُنّ الجميع؟ هي متأكدة من أن جيروم مجنون لكن هل جنت هي الأخرى؟ هنا انتقل الكلام إلى الجمجمة الثالثة التي كانت تتكلم بصوت رفيع لأنثى:
– اقترب من باب الكنيسة ودق الباب عدة مرات، بينما قلبه يتواثب طربا.. ما سبب هذا السرور الذي أضناه؟ لم يعرف.. حاول أن يتذكر فلم يوفق، فقط انتابته حالة من الانتشاء لا قبل له بها..

قال جيروم:
– شكرا يا كاترين.. تذكري أننا نتكلم عن ملازم خشن من جيش القيصر.. هذه هي البداية التي اختارها “دستويفسكي”.
قالت الجمجمة في ضيق:
– لن يظل في جيش القيصر.. أنت ستغير أشياء كثيرة فيما بعد.. والآن هل أكمل؟
– أفضل الانتقال إلى “لافكرافت”.

هنا بدأت الجمجمة التالية تتكلم بصوت كئيب عميق:
– كان يعرف.. يعرف كل شيء عن الآحاد القدامى الذين يتوارون تحت البحر، والذين ينتظرون اللحظة النهائية كي يخرجوا.. كتولو هناك وأزوث هناك.. اليوم بدا للملازم أنه اقترب من الهول أكثر وأن نهاية العالم تقترب، لذا انعقد لسانه على رعب لا فكاك منه.

هنا توقفت سامانتا عن الكتابة..
نظرت إليه في هلع وقد تجمدت الدموع في عينيها وقالت:
– جيروم.. هل الأمر كما فهمته فعلا؟
قال جيروم وهو يرتجف من فرط الانفعال:
– نعم.. بالضبط.. إن روايتي العظمى تُكتب الآن!

                                                                                                                            يُتبع..

الحلقات السابقة:
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (1)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (2)
اعلان