د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الرواية (الأخيرة)
كانت تفكّر.. سوف يفتقدونها بعد قليل وتتذكر ماري أن آخر مشاريع سامانتا كان زيارة جيروم في بيته سوف يأتون وسوف يبحثون عنها.. هذا أكيد
***
وهناك بين الشجيرات ارتمت سامانتا ممزقة الثياب تلهث وتبكي. لقد صار وجهها كأنها كانت في مستنقع.. تحتاج إلى عدة أشهر كي تسترد نضارتها القديمة ويعود النمش لوجهها..
أما الآن فهي قد غادرت الحفرة وأخيرا يمكنها أن تواصل الهرب..
لكن عليها أن تكون حذرة في هذا الظلام.. لها ساق مريضة وتتوكأ على غصن شجرة..
نظرت إلى البيت والنافذة وارتجفت..
التجربة المخيفة مستمرة كما هو واضح…
وفجأة شعرت بالأرض تهتز..
ماذا يحدث؟
توارت بين الشجيرات وهي لا تفهم ما يحدث. وللحظات خيل لها أنها تهذي. لقد كانت الأرض تنهار في عدة مواضع.. ومن كل انهيار ترى يدا عظمية تخرج باحثة عن شيء ما، واستطاعت أن ترى الحفرة التي خرجت منها منذ نصف ساعة..
كانت هناك أشياء تتحرك.. تتجه للخارج…
وفي الظلام الدامس استطاعت أن تميز أشياء عديدة تمشي في ضوء النجوم.. تملأ منطقة الشاطئ.. ماذا يحدث هنا؟ كادت تصرخ ثم قررت أن تعض على الغصن الذي تتوكأ عليه.. لا تريد أن يصدر منها أي صوت..
ترى هذه الأشباح تترنح.. تمشي.. تزحف.. كلها تتجه نحو البيت..
سمعت خشبا يتهشم.. ثم رأت هذه الأشياء تتسلل إلى الداخل.. عددها يفوق قدرتها على الحصر..
مرت لحظات ثقيلة ثم سمعت الصراخ. صراخ جيروم بالذات.. هذا صراخ مريع كأنه شخص يذبح..
لقد مات.. لم تعرف ما حدث لكنها لا تملك أدنى شكوك أنه مات..
ومع الصراخ سمعت صوتا غير بشري.. كأنها مخلوقات جاءت من سقر تضحك متلذذة..
وكان هذا كافيا كي تجد السير مسرعة.. تثب وثبا فوق ساقها السليمة. قلبها يوشك على التوقف رعبا.
ولا تعرف كيف فقدت الوعي.. لكنها فقدته..
***
قالت دكتورة كريستين التي قضت حياتها في دراسة الماورائيات، والتي طلبتها سامانتا في المستشفى:
– لقد مزقوه تماما… تحول إلى سمكة متفسخة..
سألتها سامانتا وهي تريح ساقها على مقعد في الحديقة:
– من هم؟ أنا رأيتهم لكن لا أعرف من هم
أشعلت د. كريستين لفافة تبغ طويلة بنية قوية الرائحة وقالت:
– رجال الشرطة وجدوا المخطوطات وطلبوا رأيي.. ما رأيته هو أن جيروم استعمل ضروبا من السحر الذي كانت القبائل الكلتية تمارسه في شمال البلاد قديما.. هذه هي العقيدة الدرويدية Druidic.. وكان هؤلاء القوم يعبدون إلها يعتبرونه سيد الموتى.. اسمه ساوين.. ما فعله جيروم هو أنه أعاد تقليدا من السحر الأسود كان يمارس في الهالوين.
قالت سامنتا محتجة:
– مالنا والهالوين؟ الهالوين هو آخر يوم في أكتوبر..
– جيروم خطيبك جعل اليوم يحدث في غير تاريخه.. التعويذة التي استعملها تتيح له استدعاء أرواح الموتى لتسكن تلك الجماجم.. لكن استعمالها ثلاث مرات يعيد الأسطورة القديمة. يقال إن ساوين كان يستدعي أرواح الموتى جميعا في هذا اليوم ليتولي تنسيقها.. كان الكلت يهابون هذه الليلة ويستعدون لها بالنيران في الخلاء والأقنعة وربما بعض الأضحيات البشرية.. يقال أيضا إن أرواح الذين ماتوا في العام الماضي تخرج بحثا عن أجساد حية تسكنها.. في هذه الليلة بالذات تتلاشى الحواجز بين العالمين، ويصير الموتى قادرين على اقتحام البيوت!
هتفت سامانتا في رعب:
– هل تريدين القول إن….؟
– كانت الأسر الكلتية في تلك الأيام تطفئ النيران في ديارها ، لتصير البيوت باردة غير مريحة للأرواح. إذن نحن قادرون على تخيل ما حدث.. جيروم استدعى التعويذة ثم ظل في داره.. كان عليه أن يلجأ للخلاء ويمضي الليل هناك مثلك.. اقتحموا الدار عليه.. لهذا وجدوه.. لهذا مزقوه..
ثم أردفت الدكتورة وهي ترشف قهوتها وتخرج شيئا من حقيبتها:
لو صدقنا هذه القصة وهو ما أميل له، فلنا أن نقول إن هذه الرواية غير المكتملة التي كتب نصفها بخطك ونصفها بخط جيروم، والتي بلل دمه صفحاتها الأخيرة.. يمكن القول إنها فرصة لن تتكرر في تاريخ الأدب ثانية، وإنني لأرجو أن تسمحي لي بالاحتفاظ بها. ربما يقرر أحدهم يوما أن يعيد التجربة، لكن عليه وقتها أن يتأكد من أن الأرض التي يمشي فوقها لا تعج بجثث الأجداد ، وأن سحر الدرويديين لا يعمل!
تمت