Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (4)
الرئيسية > ثقافة > ثقافة وأدب > د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (4)

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (4)

عندما تراك الأرانب الصغيرة فإنها تتدافع نحو قدميك وهي تحرك أنوفها بتلك الطريقة الساحرة.. أقدامها الصغيرة تدوس على أصابع قدميك برفق جميل

-11-

 في لحظة رائقة من التفكير ، أدركت أن القاتل ينذرنا بجرائمه بطريقة مبتكرة، هي العناصر التي ترمز لانقضاء السنين.. أنت تعرف العيد البرونزي والعيد الماسي… إلخ.

عندما أرسل إلينا حزاما جلديا في طرد، ماتت الضحية في البيت رقم ثلاثة.. العيد الثالث هو العيد الجلدي..
عندما أرسل إلينا رباط حذاء كان يتحدث عن البيت رقم 13..
عندما أرسل إلينا صورة ياقوتة كان يتحدث عن البيت رقم 40.. العيد الأربعون هو العيد الياقوتي..
وعندما أرسل لنا طبقا من الصيني في طرد كان يتكلم عن البيت رقم 20..
اليوم هي قطعة من ذهب.. إذن هو يتحدث عن البيت رقم 50..

هذا يسهل الأمور.. ليست كل الأرقام مرتبطة بعناصر.. هذا يعني أن البيت رقم 23 مثلا أو البيت رقم 51 آمن تماما.. سوف يكون الخطر مقتصرا على الرموز المعروفة..
هذا يسهل الأمور كما قلت.. لكن السفاح يغش بشكل واضح، صار يرسل إليّ الطرد بعد الجريمة وليس قبلها.. هكذا لا يمنحنا فرصة الاستعداد..

النقطة الثانية هي الفهم.. لماذا يفعل ذلك ولِمَ اختار هذه الطريقة؟ لِمَ اختار شارع المشاط أصلا؟ ولماذا ينذرني أنا؟
ألغاز لا نهاية لها.. وفي نفسي تلاعبت رغبة خبيثة كريهة؛ لا تدعه يتوقف الآن يا رب! لو توقف لمتنا والفضول يخنقنا لمعرفة المزيد.. فلتستمر الجرائم إلى أن يرتكب خطأ جسيما أو نصير نحن عباقرة ونعرف كل شيء..

كنت أفكر في هذا كله بينما السيارة تندفع نحو شارع المشاط.. السرينة تنطلق مولولة.. وعند مدخل الشارع أبطأ السائق السيارة ومضى بسرعة الرجل العادي نحو البيت الذي يحمل رقم خمسين..
ترجّلنا سريعا وهرع عزت يدق الباب بقبضته كما يرى في السينما.

قلت له في هدوء:
ـ لا تتحمس جدا.. أعتقد أننا جئنا بعد فوات الأوان كالعادة.
انفتح الباب.. هنا تراجعنا للخلف بسبب هذا الوجه الرقيق الذي تفتَّح في وجوهنا فجأة كزهرة.. فتاة شابة كانت ترمقنا في رعب، فشعرنا بأننا ألعن مجموعة من الأوغاد في التاريخ.. كيف تقع وجوهنا على هذه الشبكية الرقيقة؟

قال لها عزت بصوت مبحوح:
ـ نحن من الشرطة.. هل أمك هنا؟
استدارت للخلف وصاحت:
ـ ماما!
ومن مكان ما ظهر قط فضولي.. ثم ظهرت سيدة عجوز تمشي كالبطة بسبب الروماتيزم المفصلي، وترتدي قميص نوم باهتا رثَّا..

كانت عيناها متسعتين في ذعر.. وتساءلت ورائحة البهارات تتصاعد منها:
ـ شرطة؟ لماذا؟
ابتلع عزت ريقه ثم قال:
ـ هل أفراد أسرتك بخير؟ كم عدد أفراد أسرتك؟
ـ أنا وابنتي فقط..

نظر إليّ عزت نظرة ذات معنى.. إما أنني أحمق وغبي، وإما أن الجريمة لم تقع بعد.. وهذا يعني أن استنتاجي كان ذا منفعة أكيدة.

 

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (5)

 

 

             يُتبع

الحلقات السابقة:
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (1)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (2)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. في شارع المشاط (3)
اعلان