Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب: المدية الفضية (الأخيرة)
الرئيسية > ثقافة > ثقافة وأدب > د. أحمد خالد توفيق يكتب: المدية الفضية (الأخيرة)

د. أحمد خالد توفيق يكتب: المدية الفضية (الأخيرة)

يقف الشيطان والشرر يتصاعد من مخالبه ومن منخريه.. السماء تصطبغ باللون الأحمر، والمواجهة الأخيرة بينه وبين الناسك


استطاع الشيطان أن يلف لسانه حول عنق الناسك (رسوم: فواز)

يسهل على المرء أن يتكلّم ويتفلسف ما دامت حكمة بأثر رجعي..
لكن عندما بدأنا الاختبار لم أعرف هذا كله.. في البدء شككت في أن إليزابيث فعلت هذا.. ثم لحق بها ألفونس.. بدأت أشك في الأمر..

قرّرت أن أتلصص على حقيبة إيرين وجيب كارل. عندما تسللت إلى حقيبة إيرين وفتحتها وجدت المدية الفضية..

أنا أثق بك يا إيرين بشدة لأنني أحبك.. لكن الأمر لا يحتمل الجدال. المدية معك.. والأخطر أنك اجتزت الاختبار، والأخطر من هذا أن إليزابيث لم تجدها عندما فتشتك أول مرة.. هل هذا يشير لشيء؟

نعم.. أنت سرقت المدية ولديك قدرة على إخفائها في ذات المكان الذي يتم تفتيشه.  
لقد لعبت دورك جيدا وفقدت الوعي مرارًا.. لكنك أنت من سرق المدية.. فهل لي أن أعرف السبب؟
لا يا كارل.. لا تقتلها.. أريد أن أعرف منذ متى هي تتآمر على سر أسرتنا ولماذا؟

الشيطان قد تمكن أخيرا من تحديد مكان المدية وعرف سر أسرتنا، وهذا يعني أن رحلته عبر التاريخ قد بلغت نهايتها ونجحت..

لا تقترب منها يا كارل.. أنت ترى أنها تلهث بلا توقّف، وأن لسانها يخرج ويدخل بين شفتيها.. كارل.. إن حدقتيها بلون الدم.. إنها تتغيّر وهناك شرر يخرج من أطراف أناملها.. لشد ما تغير جمالها الذي بهرني أعواما لا حصر لها..

كارل.. ابتعد يا أحمــ…!

لقد شققت قلبه بضربة واحدة من لسانك يا إيرين! أنت لست كائنا بشريا.. هذه قشرة سكن فيها الشيطان.. أنت قتلت إيرين واتخذت جلدها سكنا، ثم قتلت كارل الآن..

– “هات المدية.. إنها لي!”
يا لصوتك! لقد صرت كيانا شنيعا فعلا..

لماذا تعتقدين أنها مديتك؟ دعيني أسمع قصتك مع ذلك الناسك (أوتنابشتيم).. فهمت.. ونحن كنا حمقى عندما حسبنا المدية ترمز لانتصار الخير على الشر.. بالعكس.. هي ترمز لانتصار الشر على الخير..
 
– “هات المدية.. إنها لي!”

سأسمح لنفسي بافتراض أن هناك سرا هنا.. يبدو أنك تتصرفين مثل مصاصي الدماء الذين لا بد من دعوتهم بكامل إرادتك. هنا لا تقدرين على انتزاع المدية مني بالقوة. لا بد أن أموت أو تسقط مني لتأخذيها. أليس كذلك؟ هذا هو التفسير الوحيد لكونك لم تقتليني حتى الآن..

لكن بوريس العجوز لم يكن سهلا..

كان يخشى أن يستولي لص أرضي على المدية، لذا احتاط للأمر وأخبرني به دون الجميع..

كان لديه حل أخير هو “الخيار شمشون” في حالة العجز عن حماية المدية.. يكون علي أن أزيح هذا القضيب الحديدي جوار المدفأة. نعم.. هذه جدران فولاذية تنغلق علينا من أعلى وتحبسنا في غرفة مساحتها متران في ثلاثة أمتار . هذا شيء لا يضايق الشياطين طبعا.. لا شيء يحميني سوى عجزك عن انتزاع المدية مني..

الآن ترتفع حرارة الجو ببطء.. إنه فرن.. فرن قادر على إذابة الفضة..
الشياطين تحب هذا المناخ كذلك.. إنه بيئتها الطبيعية..

لماذا أفعل ذلك؟ لأنني أقسمت للعجوز بوريس أن أفعله، ولأن شرفي شيء أهم من حياتي.. أنت بوسعك الرحيل متى أردت.. لكن سيكون عليك عمل ذلك من دون المدية..

عندما تبلغ الحرارة أعلى درجة لها، وعندما أحترق وتذوب المدية سوف ترتفع الجدران من جديد.. غدًا سيجد رجال الشرطة جثث الآخرين وجثتي متفحمة وفي يدها كتلة من فضة ذائبة.. وسيكون الشيطان قد فقد مديته الفضية للأبد.
 
تمت

اعلان